رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا، ورئيس حزب العدالة والتنمية التركي، شخصية شهيرة تتمتع بالذكاء السياسي وتحظى بحب الشعب التركي واحترامه، فقد تمكن بمهارة من أن يستحوذ على قلوب أفراد الشعب نظراً لتحدثه الدائم بلسانهم، فهو خطيب وسياسي متميز له تأثيره القوي عليهم، كما تمكن من إثبات وجوده في جميع الأوساط السياسية العالمية والأوربية، هذا على الرغم من الجدل المثار حوله دائماً والترقب الدائم من قبل العلمانيين له، ولخطوات حزب العدالة والتنمية.
تعرض أردوغان في تاريخه السياسي الممتد إلى الآن للعديد من المواقف، والمعارك السياسية والتي تمكن بمنتهى المهارة والذكاء بالتغلب عليها بل انقلب الأمر لصالحه في الكثير من الأحيان فكان يحقق فوز تلو أخر من خلال حزب العدالة والتنمية والذي يقوم برئاسته.
النشأة
ولد رجب طيب أردوغان في 26 فبراير عام 1954م في حي قاسم باشا وهو أحد الأحياء الفقيرة بمدينة استانبول التركية، وكان والده يعمل في خفر السواحل بمحافظة "رِزا " شمال تركيا، ثم انتقل إلى استنبول في محاولة منه لرفع مستوى المعيشة الخاص بأفراد أسرته.
تلقى أردوغان تعليمه الابتدائي ثم التحق بمدرسة الأئمة والخطباء الدينية، انتقل بعد ذلك للمرحلة الجامعية حيث التحق بكلية التجارة، والاقتصاد بجامعة مرمرة باستنبول، قام بالعمل أثناء مرحلة الطفولة في بعض الأعمال والمهن البسيطة من أجل جني المال لمساعدة والده وأيضاً من أجل توفير جزء من مصاريف تعليمه، كما قام بممارسة رياضة كرة القدم.
وقد تأثر أردوغان بتعليمه الديني كثيراً مما أثر في شخصيته بشكل بالغ، وكان ومازال يؤكد دائماً أن الإيمان والأخلاق الإسلامية، والإقتداء بأخلاق وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم هم السبب الرئيسي وراء النجاح.
الحياة السياسية
كان الزعيم نجم الدين أربكان "زعيم حزب الرفاة الإسلامي والذي شغل بعد ذلك منصب رئيس الحكومة في تركيا" ، هو أحد العوامل المؤثرة في الحياة السياسية لأردوغان والذي قام بمرافقته دائماً حتى في مرحلة الحظر السياسي الذي فرض على نجم الدين بعد الانقلاب العسكري الذي حدث في عام 1980م، قام أردوغان بخوض الحياة السياسية من خلال حزب السلامة الوطني برئاسة الزعيم نجم الدين أربكان، ثم تولى منصب رئيس الحزب في مدينة اسطنبول عام 1976م، تولى بعد ذلك منصب رئيس حزب الرفاة في استنبول عام 1985م، وتم ترشيحه من قبل الحزب لعضوية البرلمان التركي وذلك في مرتين أحداهما عام 1987م، والأخرى عام 1991م ولكنه لم يحالفه الحظ في كلتا المرتين.
ثم تم ترشيحه عن حزب الرفاة في الانتخابات البلدية لرئاسة بلدية استنبول وهي أكبر بلدية عامة بتركيا وبالفعل فاز في الانتخابات وأصبح عمدة استنبول في عام 1994م، وقد قام بتحقيق العديد من الإنجازات في خلال فترة رئاسته لها، حيث قام بتطويرها وإضافة لمسة جمالية عليها وهو الأمر الذي زاد من ارتباط أفراد الشعب به.
قامت الحكومة التركية بحظر حزب الرفاة ومنع نجم الدين أربكان من كافة نشاطاته السياسية، فقام بعد ذلك أعضاء حزب الرفاة بتأسيس حزب "الفضيلة" ولكن حظه لم يكن أفضل من السابق حيث عملت محكمة الدستور على حله ومطاردة أحزاب الإسلاميين في تركيا.
شكل الجناح التجديدي في الحزب حزباً جديداً باسم حزب العدالة، والتنمية، وقام أردوغان بترأسه، ولكن قامت لجنة الانتخابات العليا بإصدار قرار بعدم أهلية أردوغان للترشيح لعضوية البرلمان بناءً على رسالة من رئيس محكمة التمييز ثم قام بإرسالها إلى لجنة الانتخابات العليا نص فيها على عدم أهلية أردوغان ليكون عضواً مؤسساً لحزب أو رئيساً له كما أنه لا يمكن أن يرشح لعضوية البرلمان.
السجن
على الرغم من شعبية أردوغان الكبيرة إلا أنه تعرض للسجن بناء على حكم من محكمة أمن الدولة في ديار بكر عام 1998م، حيث قضت بسجنه لمدة عشرة أشهر ومنعه من ممارسة أي نشاط سياسي وذلك بسبب شعر قام بسرده في إحدى خطاباته السياسية وكان من ضمن بيوت الشعر الذي تلاه "المساجد ثكناتنا، والقباب خوذنا، والمآذن حرابنا والمؤمنون جنودنا " وهي أبيات من الشعر التركي، حيث اعتبرتها المحكمة حينها بمثابة تحريض على الكراهية الدينية ومحاولة لقلب النظام العلماني فأصدرت حكمها بسجنه ومنعه من العمل في وظائف حكومية ومنها الترشيح للانتخابات العامة.
قضى أردوغان بالسجن فترة أربعة أشهر خرج بعدها ولكن ظل الحظر السياسي عليه موجود وبعد فترة أصدرت الحكومة عفوها العام عنه، وتم إدخال بعض الإصلاحات على قانون الجزاء التركي في البرلمان، مما أتاح الفرصة أمام أردوغان لممارسة نشاطه السياسي بحرية.
رئيساً للوزراء
في نوفمبر 2002م شهدت الحياة السياسية التركية انتخابات رئاسة الوزراء التي تنافس فيها عدد من الأحزاب السياسية، واكتسحها أردوغان بفوز ساحق حيث أصبح رئيساً للوزراء في 14 مارس 2003م، وعلى الرغم من وجود العديد من الأحزاب العلمانية المتشددة وسيطرتها على الجو السياسي في البلاد، إلا أن الكثيرين من الأشخاص والناخبين وضعوا ثقة كاملة في أردوغان الذي وعلى الرغم من توجهه الديني، إلا أنه حافظ على التزامه بأسس النظام السياسي والدستوري في البلاد والذي يقضي بأن تركيا دولة علمانية يُفصل فيها الدين عن السياسة والدولة، وأكد في العديد من المناسبات المختلفة أن حزبه ليس حزب إسلامي متشدد بل أنه حزب معتدل، كما أنه يرفض الدخول في مواجهات مع الأحزاب العلمانية الأخرى، فقام بتشكيل حكومة قوية اجتذبت عدد من الأتراك المتدينين وغيرهم من الباحثين عن التغيير والإصلاح.
حافظ أردوغان على علاقته السياسية المعتدلة مع مختلف الطوائف، بما يتمتع به من ذكاء سياسي وعمل على تأكيد هويته السياسية والتي تبتعد عن التشدد الديني على الرغم من الخلفية الإسلامية التي يتميز بها.
ساهمت العديد من العوامل في تألق أردوغان سياسياً كان أولها هو سمعته الطيبة وشرفه، وشهادة معارضيه قبل مؤيده له ببعده عن الفساد ومحاربته له، وحب الناس له وشعبيته الكبيرة بينهم نظراً للإصلاحات والتطورات التي أجراها عندما كان رئيساً لبلدية استنبول، بالإضافة لسجله السياسي البعيد عن الألاعيب السياسية وترديد الشعارات الخاوية مما زاد من صعود نجمه بين غيره من السياسيين، وفوز حزبه بأغلبية ساحقة في الانتخابات.
وطبقاً للقانون التركي توجد حرية مطلقة للسلوك الفردي، وهو الأمر الذي أراد أردوغان أن يعمل به في مواجهة الأوساط العلمانية المتشددة التي تقف في وجه أي محاولة لارتداء الحجاب من قبل الطالبات والموظفات في جهات الدولة المختلفة، حيث قام بتقديم وعد بإلغاء القانون الذي يمنع السيدات والفتيات من دخول المصالح الحكومية والمدارس والجامعات والمحافل الرسمية بالحجاب، ومن المعروف أن كل من زوجة أردوغان وابنتاه يرتدوا جميعاً الحجاب.
كما شغل أردوغان هموم المواطن التركي فعمل على حل مشاكله والبحث فيها، هذا بالإضافة لمحاولاته من أجل النهوض بمستوى المعيشة الخاص بالأفراد وتحقيق أملهم في التغيير والحرية في كافة المجالات، تمكن أردوغان من قيادة البلاد وسعى لحل جميع القضايا بذكاء وحكمة على الرغم من تعقدها وتشابكها سواء في القضايا الداخلية أو الخارجية لتركيا.
فوز ساحق
في ظل جو التوتر الذي كانت تعيشه تركيا من أجل انتظار نتيجة الانتخابات الرئاسية والتي يتنافس فيها حزب العدالة والتنمية مع الأحزاب التركية الأخرى، ويأتي على رأسها حزب الشعب الجمهوري، وهو الحزب العلماني المتشدد، يأتي حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان ليحقق فوز كاسح في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 22 يوليو 2007 حيث حصد حزب العدالة حوالي 61% من مقاعد البرلمان.
وعلى الرغم من الأحاديث التي تم تداولها في الأوساط العلمانية المعارضة من أن أردوغان يسعى من أجل إقامة دولة دينية على غرار الدولة الإيرانية وهو الأمر الذي يتناقض مع الطبيعة العلمانية للدولة والتي تعد أبرز المعالم الأساسية للجمهورية، إلا أن اردوغان نفى ذلك قائلاً " لن نتنازل عن أي من المبادئ الأساسية للجمهورية, سنواصل بتصميم الإصلاحات الاقتصادية والديموقراطية"، كما أكد أردوغان على احترامه للقيم الجمهورية والعلمانية.
وجاءت نتيجة الانتخابات الرئاسية لتدعم بقوة مركز حزب العدالة والتنمية حيث فاز بها عبد الله جول، أحد الأضلاع الأساسية في حزب العدالة والتنمية والذي تزعمه أردوغان، بالإضافة لشغله سابقاً لمنصب وزير الخارجية في حكومة أردوغان، هذا الأمر الذي أدى إلى المزيد من القلق بين الأوساط العلمانية، وأصبح الحزب الذي طالما عارضوا وجوده هو الحزب الذي يمتلك مقاليد الحكم في البلاد. والسبب الرئيسى الذى أشيع عن فوز حزب العدالة والتنمية هو تكاتف القوى الدينية لمواجهة العلمانية بعد مظاهرات قوية للتيار العلمانى بلغ 3 مليون مواطن وفى ذلك الوقت منع الشرطة والجيش التيار الاسلامى من اقامة مظاهراتهم بكل سلمية مثل السماح للتيار العلمانى وتم قمعهم مما جعل القوى الاسلامية تتكاتف جميعا وكانت النتيجة هو الفوز الساحق لحزب العدالة والتنمية
شخصيات أثرت في أردوغان
أثرت العديد من الشخصيات الهامة في حياة أردوغان يأتي في مقدمتها تأثره بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك نظراً للنشأة والتربية الدينية التي ترعرع فيها، ثم بالزعيم نجم الدين أربكان الذي كان له بالغ التأثير عليه فهو الذي أعطاه الفرصة ليصبح رئيس فرع حزب الرفاة، ثم رئيس لبلدية استنبول في عام 1999م، كما تأثر أردوغان بكل من الشاعرين المسلمين محمد عاكف، ونجيب فاضل والذي عاصره وتلقى منه العديد من الدروس في الشعر والأدب.
الجانب الإنساني
يعرف عن أردوغان احتلال الجانب الإنساني ركناً هاماً في شخصيته فهو يحب العلاقات الإنسانية، والاجتماعية، مما خلق جو من الحب والألفة بينه وبين أفراد الشعب التركي، فقام برعاية المعوقين وخصص لهم العديد من الامتيازات والحفلات وقام بتوزيع المقاعد المتحركة عليهم، بل أكثر من هذا كان هو أول رئيس حزب يقوم بترشيح عضواً معوقاً في الانتخابات البرلمانية لتركيا وهو " لقمان آيوا " وهو كفيف ليصبح أول معوق يدخل البرلمان في تاريخ تركيا.
كما أن شخصية أردوغان تتميز بالشخصية المتواضعة فهو يقوم بقبول الدعوات المختلفة لأفراد الشعب لحضور المناسبات المختلفة لهم ويحرص على التصافح معهم ويحافظ على العلاقات الاجتماعية، مما جعله يأخذ مكانة مميزة في قلوب الشعب التركي، تزوج أردوغان في 4 يوليو 1978م، ولديه أربعة أبناء ولدان وبنتان.
من أقوال أردوغان
قال أردوغان عن حزبه بعد الوصول إلى الحكم :
البعض يسموننا حزبا إسلاميا، والبعض الآخر إسلاميا معتدلا.. ولكننا لا هذا ولا ذلك، نحن حزب محافظ ديمقراطي ولسنا حزبا دينيا، وعلى الجميع أن يعرف هذا.
كما علق على ما يخص المشاكل الداخلية بقوله:
سوف نحل المشاكل بالتفاهم الجماعي لا نريد توترات.. إن اللعب بالورقة الدينية يجب أن ينتهي في هذا البلد.
وقال منتقداً ازدواجية السياسة الخارجية الأمريكية :
الطريقة التي ينظرون بها إلى الإرهاب هناك في إسرائيل وفي تركيا ليست واحدة. إنهم يبدون التسامح تجاه دولة ..ويتبعون سياسة مختلفة تجاه دولة .. وهذا غير مقبول .
الموقف التركى
ظهر الجانب التركى قويا فى القضية الفلسطينية بعد اعلان تركيا مساعدة قطاع غزة بارسال اسطول الحرية التركى رغم التهديدات الاسرائيلية ولكن اردوغان اصر على ارسال الاسطول من اجل نجدة غزة وحدث اعتداء اسرائيلى غاشم على الاسطول وقتل بعض طاقمه مما اعلن اردوغان الذهاب الى الامم المتحدة لاتهام اسرائيل بالتعدى المدنيين الاتراك من خلال افراد البحرية الاسرائيلية وظهر تقرير الامم المتحدة بادانة اسرائيل فى الحادث ووقتها اعلن اردوغان الغاء الاتفاقات العسكرية بينهم وبين اسرائيل وقطع العلاقات .
وفى وقت قريب زار اردوغان القاهرة ومنها الى ليبيا ثم تونس لتوطيد العلاقات بين دول الثورات العربية واستعداد تركيا لتقديم المساعدات الى بلاد الثورات العربية .