شاركنا هنا

لمحات من تاريخ النوبة














النوبة هو الاسم الذي يطلق على البلاد التي تقع جنوب الشلال الأول وتمتد من أسوان في الشمال إلى مدينة الدبة في الجنوب (تقع مدينة الدبة إلى الجنوب من مدينة دنقلة)، وقيل إن حدود النوبة كانت تمتد إلى مشارف مدينة الخرطوم، وكان يطلق على النوبة في اللغة المصرية القديمة أسماء عدة منها "كوش" وهو الاسم الأكثر شيوعًا منذ عهد الدولة الوسطى، وبهذا يمثل الشلال الأول الحدود الطبيعية بين النوبة ومصر، ولكن هناك من يرى أن حدود النوبة تمتد شمالاً حتى جبل السلسلة – يقع شمال أسوان بحوالي 50 كيلو متر.

ينحدر النوبيون من أصل مشابه للمصريين، وتشبه حضارتهم الأولى حضارات ما قبل التاريخ في مصر، ومنذ عهد الدولة القديمة كان النوبيون يصدرون إلى مصر الذهب على هيئة حلقات، وسبائك، وتبر، والعاج، والأبنوس، والبخور، والغنم ، والماعز، وتنقسم النوبة إلى قسمين: الشمالي، وهو جزء من مصر ويمتد من أسوان شمالاً حتى وادي حلفا جنوبًا، ويعرف بالنوبة السفلى، والجنوبي، وهو جزء من السودان ويمتد من وادي حلفا شمالاً حتى الدبة جنوبًا، ويعرف بالنوبة العليا.


النوبة في العصر الفرعوني:

أطلق المصريون القدماء أسماء كثيرة على النوبة لعل من أقدمها "كينست"، و"تاستي" الذي يعني بلاد حاملي الأقواس، وعاشت في بلاد النوبة السفلى عدة قبائل ذكرها قدماء المصريين منها:

1 – قبيلة الواوات، وسكنت حول قرية كرسكو.

2 – قبيلة الايرثت، وسكنت حول قرية توماس.

3 – قبيلة ستاو، وسكنت حول قرية توشكى.

4 – قبيلة إيام وسكنت حول قرية أرمنا.

5 – قبيلة مدجاو وهي من القبائل الرحل التي لم تستقر في منطقة معينة بل كانت تجوب مناطق السودان والنوبة السفلى.

وتنتمي هذه القبائل إلى الجنس الحامي الذي ينتمي إليه سكان شمال إفريقية، وأثبتت الدراسات الآثارية أن أهل النوبة السفلى استقروا في أرضهم منذ الألف الخامس قبل الميلاد على الأقل، ووصلوا إلى المستوى الحضاري نفسه الذي وصل إليه المصريون.
بدأت عناية المصريين بالنوبة تزداد منذ عصر الأسرة السادسة، ومن أدلة ذلك قيام أحد عظماء تلك الأسرة واسمه "أوني" بحفر خمس قنوات في صخور الشلال الأول لتسهيل الملاحة في اتجاه النوبة، وسجل أعماله تلك على نصب ذكر فيه أن قبائل الايرثت، والواوات، والمدجاو قد ساعدته في حفر القنوات، وفي عهد الأسرة الثانية عشرة (2000ق.م) دارت حروب طويلة بين المصريين والنوبيين انتهت بانتصار المصريين الذي قاموا بتشييد عدة حصون على طول الطريق من أسوان وحتى الشلال الثاني من أهمها حصنا "سمنة وقُمه".

ومنذ عصر الدولة الحديثة (منتصف القرن السادس قبل الميلاد) انضمت النوبة السفلى والعليا حتى الشلال الرابع إلى مصر، وتأثرت بالثقافة المصرية وتعبدت إلى الآلهة المصرية وانتشرت في النوبة المعابد المصرية التي كانت بمثابة مراكز ثقافية يتعلم فيها الناس الدين والعلم، وعهد المصريون بإدارة بلاد النوبة إلى موظف كبير كان يلقب بلقب "ابن الملك المولى على كوش"، واستمر الحال على هذا المنوال حتى القرن الثامن قبل الميلاد حين ظهرت أسرة نوبية قوية انتهزت فرصة اضطراب الأوضاع في مصر منذ القرن التاسع قبل الميلاد، فأخذت تعمل جاهدة على تحقيق الحلم النوبي المتمثل في الاستيلاء على عرش مصر، حتى تمكن أحد أفرادها وهو الملك "بعنخي" من تحقيق ذلك الحلم وتأسيس الأسرة الخامسة والعشرين في التاريخ الفرعوني، واستطاع ملك نوبي آخر يدعى طهارقا (ترهاقا) الوصول إلى عرش مصر إلا إن الآشوريين تمكنوا من طرده من مصر سنة 670ق.م، فعاد إلى عاصمة النوبة نباتا، وبعد موته خلفه ابنه تانوت آمون الذي زحف شمالاً نحو منف واستعادها من الآشوريين الذين ما لبثوا أن انتصروا عليه واجبروه على الانسحاب منها، وبخروجه انتهى الحكم النوبي لمصر، ولم يحاول النوبيون بعد ذلك الرجوع إلى مصر واكتفوا بسيطرتهم على مناطق النوبة السفلى، واستمرت دولتهم هذه فترة تزيد على ثلاثة قرون من سنة 663 – 300 ق.م.

وبعد فتح الإسكندر الأكبر لمصر تغلغل البطالمة في بلاد النوبة وسيطروا على المنطقة التي تقع جنوب أسوان بحوالي 110 كيلومتر، وأطلقوا عليها اسم "الدوديكاشينوس" وكانت تشمل البلاد التالية: دابود – ثافا – كلابشة – جرف حسين – الدكة – كوبان – قورتة – المحرقة، ومن الملوك النوبيين الذين تأثروا كثيرًا بالثقافة اليونانية الملك أركامون الذي كانت تربطه صلة وثيقة بالملك بطليموس الثاني.
وبعد سقوط دولة البطالمة في مصر وانتقال الحكم إلى الرومان بدأت سلسلة من الثورات ضد الحكم الروماني في جنوب مصر، وشارك النوبيون في تلك الثورات وقدموا في إحداها مساعدات كبيرة لأهل طيبة الذين ثاروا ضد الحاكم الروماني كورنيلوس جاللوس في عهد الإمبراطور أغسطس، وبعد أن تمكن الحاكم كورنيلوس من القضاء على الثورة في طيبة توجه جنوبًا لمعاقبة النوبيين، لكنه لم ينجح في مهمته وترك النوبيين متمتعين بالاستقلال مع الاعتراف الاسمي بسيطرة الرومان. وفي سنة 25ق.م قام النوبيون بثورة كبيرة ضد الرومان وتغلبوا على الحامية الرومانية واستولوا على جزيرتي أنس الوجود، وألفنتين، ومدينة أسوان، فخرج الحاكم الروماني بترونيوس على رأس جيش كبير التقى الجيش النوبي عند الدكة وكانت الغلبة للرومان الذين تقدموا جنوبًا وحاصروا فلول الجيش النوبي في قلعة أبريم واستولوا عليها ثم واصلوا زحفهم صوب عاصمة النوبة نباتا وتمكن بترونيوس من تدميرها ونهب ما فيها من كنوز إلا إن كل ذلك لم يضعف مقاومة النوبيين الذين جمعوا قواتهم وتقابلوا مع الجيش الروماني عند أبريم فقبل النوبيين الصلح مع الرومان والذي تم بموجبه إعفاء هم من دفع الجزية للرومان، ووقعت تلك المعاهدة سنة 20ق.م، وقام الرومان بعد ذلك بتشييد المعاقل والحصون التي لا تزال أثارها باقية في الدكة وكلابشة ودابود.

النوبة بعد دخول المسيحية:

دخلت المسيحية بلاد النوبة في منتصف القرن السادس الميلادي، وفي سنة 577م افتتح رئيس مطارنة أسوان معبد إيزيس (فيلة) بعد تحويله إلى كنيسة، وتحولت معظم المعابد الفرعونية في النوبة إلى كنائس، وقامت في النوبة العليا دولة مسيحية اتخذت من مدينة دنقلة عاصمة لها وسيطرت على معظم مناطق النوبة السفلى، وشيد الملك النوبي "مركوريوس" كنيسة في مدينة ثافا على بعد 42 كيلو متر إلى الجنوب من أسوان، ومن أشهر ملوك النوبة في تلك الفترة الملك "سلكو" الذي حارب قبائل البجة وتمكن من طردهم من بعض مناطق النوبة التي استولوا عليها أكثر من مائتي سنة، وكان الملك سلكو حاكمًا على كلابشة وسجل انتصاراته على نصب عثر عليه في كلابشة قائلاً:
(وجئت إلى طلمي وتافة مرة ومرتين وتقاتلت مع البلميين ومنحني الرب النصر وفي المرة الثانية نلت نصرًا حاسمًا ففتحت مدنهم واحتلتها قواتي، وأخضعتهم، فأدوا إلىّ مظاهر الاحترام وعقدت الصلح معهم واقسموا بآلهتهم فقبلت ذلك منهم على أنهم ناس شرفاء، وقد تقاتلت مع البلميين من يريم إلى تئل).
وبعد انتصاره على البجة أصبح الملك سلكو من أقوى الحكام المحليين، والزعيم الأوحد للنوبة السفلى، وامتدت أملاكه من الشلال الأول شمالاً حتى الشلال الثالث جنوبًا، وعلى ضفتي النيل، وأكد الملك سلكو سيطرته على النوبة بقسميها العليا والسفلى وسجل ذلك على النصب سالف الذكر(ففي البلاد السفلى أنا الأسد وفي البلاد العليا أنا الدب)، وفي أسفل النصب نحتت صورة الملك مرتديًا بعباءة وسترة قصيرة مشابهة لأباطرة الرومان وعلى رأسه تاج مزين بقرون الإله خنوم وريش الآلهة معات والأفاعي الملكية "الأوريات"، وهذا النوع من التيجان استخدمه ملوك النوبة السفلى منذ القرن الثامن الميلادي وحتى القرن الثالث عشر، وانتهت فترة حكم الملك سلكو في سنة 559م فخلفه الملك إيريانمة.
وعثر في معبد دندور على نصب يرجع لعهده يحمل تاريخ 27 تيب من الاندوقتيون السابع الموافق 23 يناير سنة 559م، وسجل على النصب اللقب الذي كان يطلق على حكام النوبة السفلى في ذلك الوقت وهو لقب: "هيبارخ"، بالإضافة إلى الألقاب البيزنطية الأخرى التي كانت تطلق على علية القوم مثل: هيبوتران، وفيلارخ، والأسماء المسيحية مثل: بافنوطيوس، وابيفانوس، ومرقص، ويذكر النصب أيضًا أسقف فيلة والقس التابع له وهو يوحنا القبطي الذي رفع الصليب عند تكريس معبد دندور



 

النوبة اليوم © 2011 All rights Reserved elnoba elyoum | Template Style by Blogger | Development by Mohamed Hassn | الى الأعلى |