يشتهر السيانيد في أوساط علماء السموم كواحد من أسرع السموم قتلاً وأشدها فتكاً، ولعله اشتهر بين العامة عن طريق أفلام الجاسوسية والمخابرات التي تمجد هذا السم الذي انتشر إستعماله لفترة طويلة كوسيلة للقضاء على الأعداء أو الإنتحار في حالة الأسر، خوفاً من تسرب أسرار الدول في حالة إستخدام وسائل تعذيب شديدة القسوة مع ضباط المخابرات المعتقلين.
حمض الهيدروسيانيد السام |
والسيانيد المستخدم كسم يتمايز إلى تركيبين:
(الأول) هو أملاح السيانيد التي يتم تناولها بالفم وتحتاج إلى الإختلاط بأحماض المعدة للتحول إلى حمض الهيدروسيانيد (وهو التركيب الثاني) والذي يتكفل بالقتل.
(الأول) هو أملاح السيانيد التي يتم تناولها بالفم وتحتاج إلى الإختلاط بأحماض المعدة للتحول إلى حمض الهيدروسيانيد (وهو التركيب الثاني) والذي يتكفل بالقتل.
وحمض الهيدروسيانيد هو حمض متطاير يتميز برائحة اللوز المر، وبصفة عامة، فإن التسمم بالسيانيد يحدث في أي حالة ينجم عنها دخول أيون السيانيد إلى الجسم.
ويحدث هذا التسمم قضاءً وقدراً في حالة إستنشاق أيونات السيانيد المتصاعدة في أحد العمليات التالية:
- الصناعة: فأملاح السيانيد قد تستخدم في تحميض الصور الفوتوغرافية، وعمليات إستخراج الذهب والفضة من المناجم والصخور، وفي صناعة الألياف الصناعية والبلاستيك.
- الزراعة: فحمض الهيدروسيانيك قد يستخدم في رش الأشجار والحقول للتخلص من الإصابات النباتية.
- الأنشطة المنزلية: فأيون السيانيد قد يدخل في تركيب بعض المبيدات كما أن بعض بذور الفاكهة غير الناضجة فد تحتوي على مركب (الأميجدالين) (Amygdaline)السكري والذي يحتوي أيون السيانيد أيضاً.
ويتم عادة بتناول أملاح السيانيد عن طريق الفم لسهولة توفيرها مقارنة بالحمض.
غالباً لا يستخدم السيانيد في جرائم القتل وذلك لسرعة الوفاة، ولكن غرف الإعدام بالسيانيد هي من الوسائل المعتمدة للقصاص في الولايات المتحدة الأمريكية.
إمتصاص السم:
يمكن لحمض الهيدروسيانيد أن يتسرب عبر الجلد والأغشية المخاطية مباشرة، كذلك فإن إستنشاق الأبخرة المتطايرة للحمض من الممكن ان تسبب أعراض التسمم في ثوان معدودة ومن ثم الموت في دقائق قليلة.
أما في حالة تناول أملاح السيانيد بالفم، فلابد أولاً من إختلاط الأملاح بحمض الهيدروكلوريد الموجود بالمعدة للتحول إلى الصيغة الحمضية القاتلة، وهو ماقد يؤخر الوفاة ساعة كاملة.
وفي حالة الغياب التام لأحماض المعدة، فإن أملاح السيانيد لا تعدو كونها أملاحاً لا تضر، كما حدث مع الراهب "راسبوتين" الذي عاش في روسيا القيصرية اوائل القرن الفائت، وكان كثير التناول للخمر، مما سبب غياب الأحماض المعدية لديه، لذلك حين حاول أعدائه قتله بأملاح السيانيد فشلوا في ذلك ولم يجدوا حلاً سوى إطلاق الرصاص عليه!!
كيفية الإصابة بالسمية:
يسبب السيانيد قصوراً هائلاً في إمداد الخلايا بالأكسجين عن طريق الإرتباط بجزيئات الحديد المؤين.
وهناك أكثر من أربعين نظاماً إنزيمياً تتوقف أنشطتها عند تسمم الجسم بالسيانيد، ولعل أبرز هذه الأنظمة نظام السيتوكروم أوكسيداز والذي ينجم عن توقف نشاطه مايلي:
- تثبيط تناول الأكسجين بواسطة الخلايا، فعلى الرغم من كفاية نسبة الأكسجين بالدم إلا أن الخلايا تصبح عاجزة عن إستخدامه، ويصبح الدم الوريدي مؤكسج تماماً كما الدم الشرياني بالضبط.
- توقف الوظائف الحيوية لجميع أعضاء الجسم ومن الضمن الأعضاء الحيوية.
أعراض وعلامات التسمم بالسيانيد:
- رائحة اللوز المر.
- غثيان وقيء.
- ضيق النفس وسرعة التنفس مع زيادة معدل ضربات القلب، ولكن سرعان ماينخفض معدل التنفس.
- بكاء السيانيد(Cyanide cry) كنتيجة لتورم الحنجرة بالماء.
- تشنجات عصبية وقلة معدل التنفس بشدة.
- الموت.
العلاج:
يعتمد علاج حالات التسمم بالسيانيد على الوقاية أساساً، أما بالنسبة لعلاج الحالات المصابة فيجب أن يتم التعامل بسرعة كبيرة جداً لأن أقصى وقت لحدوث الوفاة عادة مايتراوح بين نصف الساعة على أقصى تقدير ، فأنت في هذه الحالة تتعامل مع سم عالي القسوة يسري في الجسم بلا رحمة من أي نوع.
والهدف الأساسي للعلاج هو الحفاظ على قدرة خلايا الجسم على استخدام الأكسجين عن طريق تعطيل عملية ارتباط أيون السيانيد بنظام سيتوكروم أوكسيداز (Cytochrome Oxidase) المسئول عن إستغلال الخلايا للأكسجين في الوظائف الحيوية.
ويتم هذا عن طريق التالي:
الخط العلاجي الأول:
ويعتمد على حقيقة علمية تفيد بأن مادة الميتهيموجلوبين(Methemoglobin) تحوي أيون الحديد ثلاثي التأكسد(Ferric ion) والذي يمكنه منافسة النظام الإزيمي على الارتباط بأيون السيانيد، وبالتالي يبقى النظام الإنزيمي حراً وقادراً على آداء وظيفته.
ومن المواد المستخدمة في هذا الخط العلاجي:
- صبغة الميثيلن الزرقاء(Methyline Blue): والتي تنتج مادة الميتهيموجلوبين عند إعطائها بجرعات كبيرة.
وقد استخدمت لفترات طويلة في علاج حالات التسمم بالسيانيد.
- إتحاد نيتريت الأميل مع نيتريت الصوديوم، والذي تم تأكيد قدرته العالية على انتاج مادة الميتهيموجلوبين.
وهو ماشكل أساساً لحقيبة مضادات السيانيد، والتي تحوي ثلاثة مكونات يتم استخدامها كما هو موضح بالجدول التالي:
نيتريت الأميل
(Amyl Nitrite)
|
نيتريت الصوديوم
(Sodium Nitrite)
|
ويكون على هيئة (لؤلؤلتين) يتم تحطيمهما كل على حدة واستنشاقها الواحدة تلو الأخرى.
والغرض من استخدامه هو أكسجة أيون الحديد ثنائي التأكسد في هيموجلوبين الدم العادي إلى أيون الحديد ثلاثي التأكسد وتكوين الميتهيموجلوبين.
ويكفي هذا المركب لتحقيق نسبة من الميتهيموجلوبين تعادل أقل من 5% من هيوجلوبين الدم.
لذا كان من الضروري إتباعه بنيتريت الصوديوم.
|
ويكون على هيئة محلول بتركيز 3% من المادة.
ويتم حقن 10 مل مكعب منه بواسطة قناة وريدية ببطء شديد.
مما يساعد على إرتفاع نسبة الميتهيموجلوبين بدرجة كبيرة تساعد على تحسين إرتباطه بالسيانيد (حوالي 40%).
ومن ثم تكوين مادة السيانوميتهيموجلوبين(cyanomethemoglobin) الغير سامة.
|
ثيوسلفات الصوديوم
(SodiumThiosufate)
| |
في هيئة محلول بتركيز 25% من المادة.
ويتم استخدامه للحفاظ على مركب السيانوميتهيموجلوبين المتكون لأنه يتمتع بقدرة عالية على التفكك والإنحلال.
ويتم الحقن وريدياً، فيتكون مركب الثيوسيانات(Thiocyanate) الثابت كيميائياً، ليتم إخراجه في البول.
|
مآخذ علاجية على الخط الأول:
- الميتهيموجلوبين المتكون يعوق إنتقال الأكسجين للخلايا عن طريق تقليل نسبة إرتباطه بالهيموجلوبين، وهذا مايمثل خطراً معتبراً.
- أيضاً استخدام النيتريتات يؤدي إلى تقليل ضغط الدم بشدة، وهو ماقد يتسبب في إنهيار الدورة الدموية.
أي إننا بدلنا سمية بأخرى، وإن كانت الأخيرة أقل ضرراً، و تخضع بكفاءة لمعايير تقييم معدل النفع/الضرر الطبي الشهير.
لذا كان لزاماً البحث عن مواد بديلة، وتوصلت الأبحاث إلى الخط العلاجي الثاني.
الخط العلاجي الثاني:
إدخال مواد ترتبط بأيون السيانيد ذاته.
ومن المواد المقترح إستخدامها:
- هيدروكسي كوبالامين(Hydroxycobalamine).
- داي كوبالت إي دي تي آيه(Di-Cobalt EDETA).
استخدام الأكسجين:
أمكن إستخدام الأكسجين في حالات التسمم كما يلي:
- يساعد في فك إرتباط السيانيد بنظام السيتوكروم أوكسيداز الإنزيمي.
- يستخدم مع خطي العلاج السابقين وذلك لأن الميتهيموجلوبين المتكون فيهما يؤدي إلى تقليل إرتباط الأكسجين بالهيموجلوبين الطبيعي مما قد ينتج عنه قصور في الإمداد بالاكسجين أيضاً.
- المصدر : كنول للمعرفة - تقديم محمد يوسف
0 التعليقات:
إرسال تعليق